ناصح
البلد:
البريد :
|
ظاهرة السب والضرب في المدارس
ظاهرة السب والضرب في المدارس
تعد العصا من الوسائل السهلة والمستخدمة بكثرة لتربية الأطفال وتأديبهم وردعهم بسرعة عن تقصيرهم وتمردهم وإهمالهم. ولكن كثيرا من الناس لا يعلم أضرار الضرب وعواقبه الوخيمة على الطفل. فقد يعتاد الطفل على الضرب ولا يؤلمه، و يزداد تمردا وعدوانا وحبا في الانتقام ممن أهانه و من المجتمع وأقرانه. وقد يدفعه للكذب لينجو من الضرب، أو ترك المدرسة أو المنزل ويُعرِض عن المعلم الذي يؤذيه و يهينه. وقد يصاب الطفل بعاهة بدنية أو نفسية أو يعيش بالخوف جبانا مهانا. ويشعر بالذل والخنوع، وأنه فاشل تافه حقير عند نفسه وببين الناس، وتطغى هذه الصفات على سلوكه وتفكيره. وإن كانت كثرة الضحك تميت القلب؛ فإن كثرة الضرب تكسر القلب وتقتل الإبداع والشجاعة والهمة والنشاط، وقد قالوا:
من يهن يسهل الهوان عليه ... ما لجرح بميت إيلام
ومن الضروري على إدارة المدرسة مناقشة ظاهرة الضرب- بجدية، وطرح الحلول المناسبة والمختلفة أمام المعلمين لتبصيرهم بأخطار الضرب وكيفية تجنبه في كل الظروف. فإن استخدام العصا دليل ضعف شخصية المعلم وانحدار سلوكه وعدم خبرته، فهل رأيتم أستاذا جامعيا يحمل عصا؟ وهل رأيتم شيخا جليلا يسوي صفوف المسجد ويلزم الناس الهدوء بالعصا؟ لذا يجب عقاب المعلم الذي يتعدى على الطلاب، بحضور دورات تربوية - مسائية - مكثفة حتى يتقن فنون وأصول التربية السليمة، وسبل التعامل الجيد مع الطلاب.
والمعلم الناجح يشعر دائما أنه مربٍ فاضل، وأنه راعٍ ومسئول عن رعيته، وأن مستقبل الطفل أمانة في عنقه، ويجب عليه تحويل التلميذ من فرد مشاغب مقصر مهمل لفرد واع نشط منتج صالح لأهله ومجتمعه، كل ذلك يجعل المعلم يفكر ألف مرة - قبل أن يقرر إهانة التلميذ بالسب أو الضرب – ويسأل عن سبب تقصير التلميذ وإهماله، وعن سبل علاجه وإرشاده، وعن طرق نصحه وتقويمه، ويسعى لكسب عقله وقلبه.
ولو استحضر المعلم أخلاق الإسلام وآدابه و أنه يتعامل مع مسلم صغير يجب أن يُحبَ له ما يُحبُ لنفسه وألا يسخر منه، ولو تذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) (المسلم أخو المسلم)؛ لعامل هذا الطفل كأحد أبنائه، وتمنى أن يصبح أفضل منه، ولو أيقن المعلم أن الطفلَ قد يصبح طبيبا يداويه عند مرضه، أو يصبح وزيرا يرعى أهله عند عجزه، أو يصبح رئيسا يحمي بلده ويصلح أمره؛ لاختلف سلوكه معه وأحبه ورغَّبه في العلم والفضيلة؛ ليحمل ذلك المعروف له عند هِرمه، ويدعو له بعد موته.
ولو ذكّر المعلم تلميذه بربه وأخافه منه وحثه على طاعة ربه والتزام آداب دينه، ولو ذكّره بفضل أهله وكرمهم وحسن خُلقهم، ولو ذكره بفضل الصحابة الكرام وشيمهم وشجاعتهم لتغير أمره وصلح شأنه.
ومن جهة أخرى؛ فقد نهانا الدين عن البذاءة والفحش في القول وسوء الأخلاق، ونهانا عن السب والقذف والهمز واللمز والطعن في الأنساب. وحثنا على حسن القول بقوله تعالى: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ...}(الإسراء53)، فالألفاظ الحسنة، تترك في النفس أثرا بليغا، وما أجمل أن يستخدم المعلم كلمة: مسلم – بطل – أسد – شجاع – رجل– ممتاز– رائع– جزاك الله خيرا – بارك الله فيك. فإنها ألقاب تفتح قلب الطفل لمعلمه، وتدفعه للإبداع والتفوق، عسى أن يلقبه المعلم لقبا أفضل من زملائه وأقرانه، يفخر به أمامهم. وقد قال تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ }(فصلت34 ).
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقب أصحابه بأحسن الألقاب وأحبها إليهم ويمدحهم بأفضل صفاتهم وأعظم أفعالهم، فهذا الصديق، وذاك الفاروق، وهذا سيف الله المسلول، وهذا أسد الله، وهذه ذات النطاقين و يصف هذا بالحلم والأناة وذاك بالغيرة في الحق. ومعلوم أن في كل إنسان صفات حميدة، يجب على المعلم الناجح أن ينقب عنها ويمدحها في طلابه ولا يبحث عن صفاتهم الذميمة ليفضحهم بها فيفسدهم. وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تتبع أخطاء الناس بقوله: ( إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم). ومهما عظم ذنب الطفل, فلن يصل لجرم فرعون الذي دعاه ربه بالحسنى بقوله: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى* فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} (طه: 43- 44).
فكم من كلمة خبيثة أشعلت في القلوب غلا، وأوغرت في النفوس حقدا، وكم من كلمة طيبة أحيت قلوبا ميتة، وكم من بسمة أيقظت عقولا نائمة. فرفقا بأبنائنا عباد الله، فإن الرفق ما كان في شيء إلا زانة، وارحموهم فإن الرّاحمون يرحمهم الرحمن.
كتبه
د. محمد حافظ
13/3/2009
|