غزة- آمنة غنام
ما لبث الطفل "زياد" ابن الأعوام السبعة أن يخرج من باب محل السمانة حاملاً في يده قطعة حلوى اشتراها لتوه، حتى التفّت حوله "عصابة" أطفال يترأسها ابن عمه "موسى"، الذي طلب منه بطريقةٍ همجية أن يعطيه ما في يده... وإلا..
المسكين "زياد" أحكم إغلاق قبضته على قطعة الحلوى، ورفض أن يعطيه إياها.. فما كان من "موسى" سوى أن صفعه "كما يحدث في أفلام الكاوبوي" وأغرقه بعشرات الشتائم ليختم قوله بمصيبة!!!!! "موسى" (10 سنوات).. يسبّ الذات الإلهية!
قد لا يضع الطفل ضمن حساباته أن التطاول على ذات "إله الكون" يعدّ ذنباً عظيماً لا يمكن تجاوزه، ولكن عزيزي القارئ.. ما الذي يجعل طفلاً بعمرٍ غضٍّ يسب "الله" جلّ في علاه، إذا لم تكن قدوته "تفعل ذلك" أو على أقل تقدير "تسمح له بذلك"؟.. مراسلة "فلسطين" لامست هذه القضية، في محاولةٍ منها لإيجاد الحل ضمن التقرير التالي:
الشارع تربة خصبة
"أم مازن" كانت شاهد عيان على طفلها الصغير "أحمد" الذي كان يلهو في مرّةٍ من المرات مع أصحابه في الشارع، فإذا بشجارٍ يجمع بين شابين لم يسكتا عن "سب الذات الإلهية" على مرأى ومسمع كلّ من تجمّع ليفصل بينهما..
كل كلماتهما علقت في ذهن الصغير "أحمد"، الذي وحينما أراد أن ينطق بها استهدف أمه!!
كانت أم أحمد قد انتهت للتو من غسل ملابس أولادها ليلطّخها هو بالطين بعد أن رمى جهتها الكرة المتسخة! فما كان منه إلا أن ردّ على توبيخها له "بسب الذات الإلهية" وكأنه يقول كلمات عادية جداً لا تحمل أي إساءة.
السبب الرئيسي الذي يدفع الطفل إلى سب الذات الإلهية هو "المحاكاة" وتقليد الكبار سناً سواء من أقربائه أو حتى المارين في الشارع ومن المستحيل أن يتعلم الطفل سلوكاً كالذي نتحدث عنه من بيئته المدرسية، نظراً لدورها التربوي الملقى على عاتقها في تهذيب الأطفال وتحسين سلوكهم د.حلس
لا يقف الأمر عند حدّ تطاول الشباب في الشوارع على ذات "الكريم"، فالمفاجأة أن سيدة تجاوزت الخمسين –هي من ضمن عشرات- تتطاول على الله سبحانه وتعالى باللفظ السيئ، بشكلٍ لا يتناسب أبداً ووقار "العجوز".. سألتها مراسلة "فلسطين" عما إذا كانت لا تخاف عقاباً من الله على كلامها؟ فأجابت بصوتٍ عالٍ مبررةً :"أحياناً بعصّب لدرجة إني ببطل أستوعب إيش بقول.. ولما بكفر بكون بدي أوضّح للي قدّامي إن الموضوع وصل حدّه"...وما زلنا نتساءل "لماذا يسبّ أطفالنا الذات الإلهية؟"!!
من جانبها أبدت الطفلة أريج العوض (11 عاماً) امتعاضاً واضحاً من الأطفال الذين يسبون "الله" وأضافت بلغةٍ بريئة :"حرام عليهم، لقد علّمنا القرآن أن الله هو خالق كل شيء، وهو القادر على كل شيء.. أفلا نخاف منه إذا تطاولنا عليه؟"، موضحةً أنها عرفت من خلال حفظها للقرآن الكريم في المسجد عقوبة المسلم الذي "يكفر بالله"، أو حتى يمس رسوله الكريم بأي سوء "ولكن ليس الصغار فقط، بل الكبار أيضاً تنقصهم توعية دينية أكبر"..
من عمّها!
أما السيدة دلال أبو حسنة ففوجئت في إحدى المرات بطفلتها الصغيرة تسب الذات الإلهية بينما تعوّد لسانها على نطق الكثير من الألفاظ النابية..
لم تحتمل الأم ذلك بالطبع، فما كان منها سوى أن أشبعت ابنتها ضرباً "ترك آثاراً على جسدها" في خطوةٍ تعتبرها حلاً للمشكلة، قالت :"صدمتُ بطفلتي الصغيرة تتلفظ بتلك الشتائم، وتتطاول على ذات الله –أستغفر الله العظيم- وعندما سألتها عن الشخص الذي علّمها هذه الألفاظ أجابتني بصوتٍ أنهكه البكاء (من عمو فلان) و"قصدت" أخو زوجي"، تضيف أبو حسنة :"لم يعد أمامي من حل سوى أن أراقبها طوال فترة مكوث عمها عندنا، خوفاً من أن يتكرر سبه لذات الإله أثناء وجود طفلتي، وخوفاً من تعلّمها كلمة جديدة يمكن أن تسيء لتربيتنا الدينية لها".
أمها وأبوها!
لم ننتهِ بعد.. فالاستهتار بـ "سب الذات الإلهية" تجاوز كافة الخطوط الحمراء والخضراء والزرقاء أيضاً... الطفلة "سمر" 12 عاماً تحدثّت لـ "فلسطين" عن عصبية أمها الزائدة، وقالت :"يتجنب إخوتي إغضابها، لأن غضبها سريعٌ جداً، ولا يهدأ بالها إلا إذا سبّت لنا الرب والدين والرسول"، مضيفةً :"لا يستطيع احد منّا مراجعتها بهذا السباب رغم كوننا نعرف أنها تؤثم عليه، وحتى والدي لا يستطيع أن يمنعها، أتعرفون لماذا؟ لأنه مثلها"!!".
وتابعت :"أخاف على إخوتي من أن تنتقل إليهم هذه السوسة، سيما وأن بعضهم بدأ بصوتٍ منخفض يردد نفس كلمات أمي "لكن كلنا نذهب إلى المدارس ونعرف أن هذا حرام".
اللفظ بدأ يتجاوز السب المباشر للذات الإلهية لألفاظ أخرى تحمل معاني تصغّر من شأن الله عز وجل، ليبقى الطفل "آلة حافظة" تسمع وتطبق دون تفكير بمدى حرمانية ما يتلفظ به.
تقليد للكبار
من جانبه، وتعقيباً على القضية، أوضح د.داود حلس أستاذ التربية المساعد في الجامعة الإسلامية أن السبب الرئيسي الذي يدفع الطفل إلى سب الذات الإلهية هو "المحاكاة"، وتقليد الكبار سناً "سواء من أقربائه أو حتى المارين في الشارع"، قائلاً :"من المستحيل أن يتعلم الطفل سلوكاً كالذي نتحدث عنه من بيئته المدرسية، نظراً لدورها التربوي الملقى على عاتقها في تهذيب الأطفال وتحسين سلوكهم".
وأشار إلى دور الأسرة في دعم الوازع الديني لدى أطفالها من خلال تعزيز تعاليم الدين الإسلامي وتكوين منظومة ثقافية ودينية مطلعة على كل الأضرار التي تسببها الدخائل الغربية على الثقافة التربوية الإسلامية، لافتاً إلى أهمية "التعزيز المادي والمعنوي" من جهة الأسرة أو المسجد في تعزيز السلوكيات الحسنة والإيجابية، وإصلاح الجوانب السلبية "والأهم من ذلك كله محاولة الأهل الوصول إلى المصدر الذي جلب منه ابنهم هذه الألفاظ التي تسيء للدين وللمسلمين بشكلٍ عام".
وأكد حلس ضرورة التوجيه والإرشاد حيث إن المهمة الأساسية هي "تأديب" هذه الأجيال الناشئة، منوهاً إلى ضرورة الابتعاد أثناء عقاب الطفل عن العنف، مستدركاً :"بل بالعقلانية والتروي حيث إنهما الطابع الأساسي لأي حلول جذرية يمكن أن تصل إليها الأسرة في تعديل سلوكيات أبنائها".
وحذّر من مغبة التأخر في علاج الطفل الذي يتمادى في الإساءة إلى الله سبحانه وتعالى، خوفاً من أن يصعب علاجه فيما بعد، مشدداً على دور الإعلام الرئيسي في تثبيت العديد من الأفكار الإيجابية أو السلبية في فكر الطفل ومنظومته الثقافية، الأمر الذي يعني ضرورة التنويه لهذه الأخلاقيات، والعمل على تدعيم الخلق الحسن من خلال الخطة البرامجية والمحتوى المبثوث.
وفي السياق ذاته، بيّن أن التعاون بين الأسرة والمؤسسات التعليمية يعتبر أهم خطوة لضمان النشأة السلمية والتكامل سوياً في تأسيس الأجيال.
التأخر في علاج الطفل الذي يتمادى في الإساءة إلى الله سبحانه وتعالى، يزيد الطين بله، ويصعب علاجه فيما بعد ويجب تنمية فكر الطفل ومنظومته الثقافية، الأمر الذي يعني ضرورة التنويه لهذه الأخلاقيات، والعمل على تدعيم الخلق الحسن من خلال الخطة البرامجية والمحتوى المبثوث د.حلس
البدايات الإيجابية
وفي بادرةٍ جميلة أكد الشيخ عبد الحميد فحيج مؤذن مسجد الضياء في مدينة رفح أن العديد من الجمعيات الإسلامية في منطقته أجمعت على ضرورة إيجاد حل لمنع الكبار أو الأطفال على حدّ سواء من التطاول على الله عز وجل، فبدؤوا بتعليق اللافتات الدعوية والتحذيرية من سب الذات الإلهية، ثم الاعتماد على الخطب الإسلامية في المساجد التي توضح أثر ذلك الطبع الذميم على حياة الإنسان في دنياه وآخرته.
وتابع :"انطلقنا في البداية في مناطق بسيطة، ثم وسعنا الأمر لنشمل العديد من المناطق في القطاع، ونسعى الآن إلى تطوير الأمر والدعوة إلى ترك سب الذات الإلهية، بشكلٍ يشمل القطاع كله من شماله حتى جنوبه مروراً بكافة المساجد، وحتى تحقيق الهدف المطلوب من هذه الحملة "مطالباً أن يكون لوزارة الأوقاف دور في مساعدتهم في توسيعها، وأن تحذو كل المساجد حذوهم في التوعية لخطورة هذا الأمر".
وأوضح أن مشروعهم هذا لقي نجاحاً كبيراً "حيث ترك العديد من الأطفال عادة التطاول على الله سبحانه وتعالى، وأيضاً الكبار" الأمر الذي شجعهم على الاستمرار من أجل تخريج أجيال تعي تماماً "المحرمات والمعاصي وتبتعد عنها".
المصدر: فلسطين أون لاين
|